فصل: تفسير الآيات (34- 35):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (34- 35):

{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)}
قوله عز وجل: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} يعني: القرآن، {وَالْحِكْمَةِ} قال قتادة: يعني السنة وقال مقاتل: أحكام القرآن ومواعظه. {إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} أي: لطيفًا بأوليائه خبيرًا بجميع خلقه. قوله عز وجل: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} الآية. وذلك أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن: يا رسول الله ذكر الله الرجال في القرآن ولم يذكر النساء بخير، فما فينا خير نذكر به، إنا نخاف أن لا يقبل الله منّا طاعةً، فأنزل الله هذه الآية.
قال مقاتل: قالت أم سلمة بنت أبي أمية ونيسة بنت كعب الأنصارية للنبي صلى الله عليه وسلم: ما بال ربّنا يذكر الرجال ولا يذكر النساء في شيء من كتابه، نخشى أن لا يكون فيهن خير؟ فنزلت هذه الآية.
وروي أن أسماء بنت عميس رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب فدخلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن: لا. فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار، قال: ومِمَّ ذاك؟ قالت: لأنهنّ لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال، فأنزل الله هذه الآية: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ} المطيعين {وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ} في ايمانهم وفيما ساءهم وسرهم، {وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ} على ما أمر الله به، {وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ} المتواضعين، {وَالْخَاشِعَاتِ} وقيل: أراد به الخشوع في الصلاة، ومن الخشوع أن لا يلتفت، {وَالْمُتَصَدِّقِينَ} ممّا رزقهم الله، {وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ} عمّا لا يحل، {وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} قال مجاهد: لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرًا حتى يذكر الله قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا.
وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قد سبق المفردون»، قالوا: وما المفرِّدون يا رسول الله؟ قال: «الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات».
قال عطاء بن أبي رباح: من فوض أمره إلى الله عز وجل فهو داخل في قوله: {إن المسلمين والمسلمات}، ومن أقر بأن الله ربُّه ومحمدًا رسولُه، ولم يخالف قلبه لسانه، فهو داخل في قوله: {والمؤمنين والمؤمنات}، ومن أطاع الله في الفرض، والرسول في السنة: فهو داخل في قوله: {والقانتين والقانتات} ومن صان قوله عن الكذب فهو داخل في قوله: {والصادقين والصادقات}، ومن صبر على الطاعة، وعن المعصية، وعلى الرزية: فهو داخل في قوله: {والصابرين والصابرات}، ومن صلى ولم يعرف من عن يمينه وعن يساره فهو داخل في قوله: {والخاشعين والخاشعات}، ومن تصدق في كل أسبوع بدرهم فهو داخل في قوله: {والمتصدقين والمتصدقات}، ومن صام في كل شهر أيام البيض: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، فهو داخل في قوله: {والصائمين والصائمات}، ومن حفظ فرجه عما لا يحل فهو داخل في قوله: {والحافظين فروجهم والحافظات}، ومن صلى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في قوله: {والذاكرين الله كثيرا والذاكرات}. {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}.

.تفسير الآية رقم (36):

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا (36)}
قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}.
نزلت الآية في زينب بنت جحش الأسدية وأخيها عبد الله بن جحش وأمهما أمية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم، خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمولاه زيد بن حارثة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى زيدًا في الجاهلية بعكاظ فأعتقه وتبناه، فلما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب رضيت وظنت أنه يخطبها لنفسه فلما علمت أنه يخطبها لزيد أبت وقالت: أنا ابنة عمتك يا رسول الله فلا أرضاه لنفسي، وكانت بيضاء جميلة فيها حدة، وكذلك كره أخوها ذلك، فأنزل الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ} يعني: عبد الله بن جحش، {وَلا مُؤْمِنَةٍ} يعني: أخته زينب، {إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا} أي إذا أراد الله ورسوله أمرًا وهو نكاح زينت لزيد، {أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} قرأ أهل الكوفة: {أن يكون} بالياء، للحائل بين التأنيث والفعل، وقرأ الآخرون بالتاء لتأنيث {الخيرة} من أمرهم، والخيرة: الاختيار.
والمعنى أن يريد غير ما أراد الله أو يمتنع مما أمر الله ورسوله به. {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا} أخطأ خطأ ظاهرًا، فلما سمعا ذلك رضيا بذلك وسلَّما، وجعلت أمرها بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك أخوها، فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدًا، فدخل بها وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها عشرة دنانير، وستين درهمًا، وخمارًا، ودرعًا، وإزارًا وملحفة، وخمسين مدًا من طعام، وثلاثين صاعًا من تمر.

.تفسير الآية رقم (37):

{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا (37)}
قوله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} الآية، نزلت في زينت وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوج زينب من زيد مكثت عنده حينًا، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى زيدًا ذات يوم لحاجة، فأبصر زينب قائمة في درع وخمار وكانت بيضاء جميلة ذات خلق من أتم نساء قريش، فوقعت في نفسه وأعجبه حسنها، فقال: سبحان الله مقلب القلوب وانصرف، فلما جاء زيد ذكرت ذلك له، ففطن زيد، فألقى في نفس زيد كراهيتها في الوقت فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إني أريد أن أفارق صاحبتي»، قال: ما لك أرَابَك منها شيء؟ قال: لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيرًا، ولكنها تتعظم عليّ لشرفها وتؤذيني بلسانها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أمسك عليك زوجك»، يعني: زينب بنت جحش، {وَاتَّقِ اللَّهَ} في أمرها، ثم طلَّقها زيد فذلك قوله عز وجل: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} بالإسلام، {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بالإعتاق، وهو زيد بن حارثة {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} فيها ولا تفارقها، {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} أي: تسر في نفسك ما الله مظهره، أي: كان في قلبه لو فارقها لتزوجها.
وقال ابن عباس: حبها. وقال قتادة: ود أنه طلقها.
{وَتَخْشَى النَّاسَ} قال ابن عباس والحسن: تستحييهم.
وقيل: تخاف لائمة الناس أن يقولوا: أمر رجلا بطلاق امرأته ثم نكحها.
{وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} قال عمر، وابن مسعود، وعائشة: ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشد عليه من هذه الآية.
وروي عن مسروق قال: قالت عائشة: لو كتم النبي صلى الله عليه وسلم شيئا مما أوحي إليه لكتم هذه الآية: {وتخفي في نفسك ما الله مبديه}.
وروى سفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان قال: سألني علي بن الحسين زين العابدين ما يقول الحسن في قوله: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}؟ قلت: يقول لما جاء زيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله إني أريد أن أطلق زينب فأعجبه ذلك، فقال: أمسك عليك زوجك واتق الله، فقال علي بن الحسين: ليس كذلك، كان الله تعالى قد أعلمه أنها ستكون من أزواجه وأن زيدا سيطلقها، فلما جاء زيد وقال: إني أريد أن أطلقها قال له: أمسك عليك زوجك، فعاتبه الله وقال: لم قلت: أمسك عليك زوجك، وقد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك؟ وهذا هو الأولى والأليق بحال الأنبياء وهو مطابق للتلاوة لأن الله علم انه يبدي ويظهر ما أخفاه ولم يظهر غير تزويجها منه فقال: {زوجناكها} فلو كان الذي أضمره رسول الله صلى الله عليه وسلم محبتها أو إرادة طلاقها لكان يظهر ذلك لأنه لا يجوز أن يخبر أنه يظهره ثم يكتمه فلا يظهره، فدل على أنه إنما عوتب على إخفاء ما أعلمه الله إنها ستكون زوجة له، وإنما أخفاه استحياء أن يقول لزيد: التي تحتك وفي نكاحك ستكون امرأتي، وهذا قول حسن مرض، وإن كان القول الآخر وهو أنه أخفى محبتها أو نكاحها لو طلقها لا يقدح في حال الأنبياء، لأن العبد غير ملوم على ما يقع في قلبه في مثل هذه الأشياء ما لم يقصد فيه المآثم، لأن الود وميل النفس من طبع البشر.
وقوله: {أمسك عليك زوجك واتق الله} أمر بالمعروف، وهو خشية لا إثم فيه.
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} لم يرد به أنه لم يكن يخشى الله فيما سبق فإنه عليه السلام قد قال: «أنا أخشاكم لله وأتقاكم له»، ولكنه لما ذكر الخشية من الناس ذكر أن الله تعالى أحق بالخشية في عموم الأحوال وفي جميع الأشياء.
قوله عز وجل: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} أي: حاجة من نكاحها، {زَوَّجْنَاكَهَا} وذكر قضاء الوطر ليعلم أن زوجة المتبني تحل بعد الدخول بها.
قال أنس: كانت زينب تفتخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات. وقال الشعبي: كانت زينب تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهن: جدي وجدك واحد، أني أنكحنيك الله في السماء، وإن السفير لجبريل عليه السلام.
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغفار بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، أخبرنا مسلم بن الحجاج، حدثني محمد بن حاتم بن ميمون، أخبرنا بهز، أخبرنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال: لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد: «فاذكرها علي»، قال: فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها، قال فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها، فوليتها ظهري ونكصت على عقبي، فقلت: يا زينب أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك.
قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن.
قال: ولقد رأيتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا الخبز واللحم، حتى امتد النهار، فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعته فجعل يتتبع حجز نسائه يسلم عليهن، ويقلن: يا رسول الله كيف وجدت أهلك؟ قال: فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أو أخبرني.
قال: فانطلق حتى دخل البيت فذهبتُ أدخل معه فألقى الستر بيني وبينه، ونزل الحجاب.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا سليمان بن حرب، أخبرنا حماد عن ثابت، عن أنس قال: ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب، أولم بشاة.
أخبرنا محمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي، أخبرنا أبو العباس الأصم، أخبرنا محمد بن هشام بن ملاس النمري، أخبرنا مروان الفزاري، أخبرنا حميد عن أنس قال: أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ابتنى بزينب بنت جحش فأشبع المسلمين خبزًا ولحمًا.
قوله عز وجل: {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} إثم، {فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} والأدعياء: جمع الدَّعيِّ، وهو المتبنى، يقول: زوجناك زينب، وهي امرأة زيد الذي تبنيته، ليعلم أن زوجة المتبنّى حلال للمتبني، وإن كان قد خل بها المُتَبَنَّى بخلاف امرأة ابن الصلب فإنها لا تحل للأب.
{وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا} أي: كان قضاء الله ماضيا وحكمه نافذا وقد قضى في زينب أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآية رقم (38):

{مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)}
قوله عز وجل: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} أي: فيما أحل الله له، {سُنَّةَ اللَّهِ} أي: كسنة الله نصب بنزع الخافض، وقيل: نصب على الإغراء، أي: الزموا سنة الله، {فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} أي: في الأنبياء الماضين أن لا يؤاخذهم بما أحل لهم.
قال الكلبي، ومقاتل: أراد داودَ حين جمع بينه وبين المرأة التي هويها فكذلك جمع بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين زينب.
وقيل: أشار بالسنة إلى النكاح فإنه من سنة الأنبياء عليهم السلام.
وقيل: إلى كثرة الأزواج مثل داود وسليمان عليهما السلام. {وَكَانَ أَمْر اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} قضاءً مقضيًا كائنًا ماضيًا.

.تفسير الآيات (39- 40):

{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)}
{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ} يعني سنة الله في الأنبياء الذين يبلغون رسالات الله {وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ} لا يخشون قالة الناس ولائمتهم فيما أحلّ الله لهم وفرض عليهم، {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} حافظا لأعمال خلقه ومحاسبهم. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب قال الناس: إن محمدا تزوج امرأة ابنه فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} يعني: زيد بن حارثة، أي: ليس أبا أحد من رجالكم الذين لم يلدهم فيحرم عليه نكاح زوجته بعد فراقه إياها.
فإن قيل: أليس أنه كان له أبناء: القاسم، والطيب، والطاهر، وإبراهيم، وكذلك: الحسن والحسين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال للحسن: إن ابني هذا سيد؟.
قيل: هؤلاء كانوا صغارا لم يكونوا رجالا.
والصحيح ما قلنا: إنه أراد أبا أحد من رجالكم.
{وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ختم الله به النبوة، وقرأ عاصم: {خاتم} بفتح التاء على الاسم، أي: آخرهم، وقرأ الآخرون بكسر التاء على الفاعل، لأنه ختم به النبيين فهو خاتمهم.
قال ابن عباس: يريد لو لم أختم به النبيين لجعلت له ابنا يكون بعده نبيا.
وروي عن عطاء عن ابن عباس: أن الله تعالى لما حكم أن لا نبي بعده لم يعطه ولدا ذكرا يصير رجلا {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}.
أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني، أخبرنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد الخذاشاهي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن مسلم، حدثنا أبكر الجوربذي، أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس عن يزيد، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة قال: كان أبو هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلي ومثل الأنبياء كمثل قصر أحسن بنيانه، ترك منه موضع لبنة فطاف به النُّظارُ يتعجبون من حسن بنيانه إلا موضع تلك اللبنة لا يعيبون سواها فكنت أنا سددت موضع تلك اللبنة، ختم بي البنيان وختم بي الرسل».
أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني، أخبرنا علي بن أحمد الخزاعي، أخبرنا الهيثم بن كليب الشاشي، أخبرنا أبو عيسى الترمذي، أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، وغير واحد قالوا، أخبرنا سفيان عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لي أسماء أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي، يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب، والعاقب الذي ليس بعده نبي».